الحديث حول الرجل ينقسم دائماً إلى نوعين ، الأول هو تسليط الضوء حول ما يُقدمه من مادة إعلامية ساخرة غير مسبوقة فى الإعلام العربي .. سواءاً بالمديح والإعجاب والحماس الشديد واعتباره إفراز مهم لثورات الربيع العربي ، أو بالهجوم الشديد عليه وعلى ما يُقدمه ، وتصويره بأنه مؤامرة غربية أمريكية بإمتياز ..
والنوع الثاني هو تسليط الضوء على مشوار حياته قبل أن يصل إلى وصل إليه ، واستعراض تاريخه كطبيب لجراحة القلب حصل على شهادات أكاديمية رفيعة المستوى ، والتغير المُفاجئ والهائل فى حياته عندما بدأ بتقديم حلقات عبر اليوتيوب ، ثم تحوله من ” نجم إنترنت ” إلى رمز فى عالم الإعلام الساخر فى الوطن العربي..
فى مقالتنا هذه ، سنسلط الضوء على نوع ثالث أكثر أهمية في رأيي من كل ماسبق .. لن نتعرّض لمحتوى ما يُقدمه باسم يوسف ، أو نستطلع آرائكم في برنامجه سواءاً بالإيجاب أو السلب فهذا ليس مجال موقعنا .. يُمكنك التعبير كما شئت عن إعجابك به أو غضبك منه فى مواقع ومُنتديات أخرى كثيرة جداً عبر شبكة الإنترنت .. كما لن نتعرّض كذلك إلى قصة حياته التى أصبح يعرفها الجميع ..
اليوم ، أحاول من خلال السطور القادمة أن أحلل معكم مشوار نجاح هذا الرجل ، ومُحاولة استخراج الدروس المُستفادة من قصته ، وتطبيقها في عالم ريادة الأعمال .. ما الذي يُمكننا أن نخرج به من هذه التجربة التى أثبتت نجاحها الساحق خلال عامين فقط ؟!
هذا ما أعتقد أنه أكثر أهمية بالنسبة إلينا جميعاً ، بدلاً من الإكتفاء بالإعجاب بالمُبالغ فيه ، أو إلقاء السباب بلا توقف !
********************
النمذجة Modeling
تقريباًُ ، ومنذ اليوم الأول لإنتشار برامج باسم يوسف ، كان نموذج المُذيع الأمريكي الساخر ( جون ستيوارت ) دائماً حاضراً فى الواجهة .. تقليده بقدر الإمكان ، ومُحاولة الوصول إلى نفس ماوصل إليه جون ستيورات فى هذا المجال ، والمشى على نفس المنهج .. وبالتالي ، تحقيق نجاح قريب لما حققه الأمريكي فى هذا المجال ..
واليوم بالفعل ، باسم يوسف يُطلق عليه عالمياً بأنه ( جون ستيوارت مصر ) أو ( جون ستيوارت النيل ) ..
هذه نُقطة شديدة الأهمية فى رأيي لرُوَّاد الأعمال المُبتدئين ، إذا كنت تبدأ فى مشروع مُعين – مهما كان مجاله – .. لا تكتفي فقط أبداً أن تُحدد أهدافك التى تُريد أن تصل إليها من وراء هذا المشروع ، بل يجب أن تضع ( نموذجاً ) عالمياً واضحاً أمامك تصل إليه أولاً .. ثم تتجاوزه للأفضل فيما بعد !
إذا كان مشروعك هو مركز تعليمي للغات ، فضع أمامك نموذجاً عالمياً مرموقاً مثل ( كابلان ) على سبيل المثال .. إذا كان مشروعك متجر للوجبات السريعة ، فضع أمامك نموذج ماكدونالدز أو كنتاكي .. إذا كان مشروعك هو إنشاء موقع إليكتروني تقني ، فضع أمامك نموذجاً مُتالقاً .
إجعل هدفك أن تصل إلى نفس منهجية وقوة وتألق هذا النموذج .. ثم تفوَّق عليه !
*******************
فكر خارج الصندوق
طبعاً ، لم يكن أمام طبيب القلب ( باسم يوسف ) أي فرصة على الإطلاق للوصول إلى نموذجه الذي يحلم به ( جون ستيوارت ) .. هذا أمل منسي .. مُجرد حلم من المُستحيل تحقيقه ..
طبيب لجراحة القلب .. حتى يصل إلى مكانة جون ستيوارت يجب عليه – بديهياً – أن يقوم بدراسة مجال الإعلام ، ويتخصص فى الإلقاء التلفزيوني .. ثم يذهب إلى الولايات المتحدة ، ويتلقى دورات تدريبية فى مجال الإلقاء الساخر .. ثم يعود إلى مصر ، ويبحث عن مُنتج يُفكر بعقلية غربية تجعله يُغامر بإنتاج برنامج غير مسبوق فى العالم العربي !
بإختصار ، هذه فكرة محكوم عليها بالفشل الذريع ، فى حال قياسها بمعايير ( المسار التقليدي ) للوصول إلى الهدف !
وهذا ما أريدك أن تفهمه بالضبط .. باسم يوسف لجأ إلى وسيلة العصر ( اليوتيوب ) للإلتفاف حول هذا المشوار الطويل غير الممكن بالنسبة له .. قام بالتفكير ( خارج الصندوق ) ، واستخدم أدوات عصرية تدفعه للوصول إلى هدفه .. وقد نجح ..
إذا كنت قد وضعت نموذجاً واضحاً أمامك تسعى للوصول إليه أولاً ، وتتجاوزه وتتفوق عليه ثانياً .. إبدأ فى التفكير فى وسائل ( غير تقليدية ) و ( غير مسبوقة ) تختصر بها الطريق الطويل الذي يسير فيه الجميع .. وتشق طريقك الخاص بنفسك !
*********************
بداية جيِّدة.. تطوير مُستمر
الكثير جداً من الشباب وروَّاد الأعمال المُبتدئين ، يبدأون فى تدشين أعمالهم ومشروعاتهم بإمكانيات أقل بكثير من المطلوب .. إما عن عمد ( لأنه يخشى أن يخسر الكثير من أمواله فى المشروع ) أو غير عمد ( أنه لا يجد الموارد الكافية لتمويل مشروعه ويخشى المُخاطرة ) .. وفي الحالتين ، تؤدي البداية ( المُتواضعة ) جداً إلى انهيار مسار عمل المشروع سريعاً ، حتى لو كانت فكرته ستؤدي إلى النجاح بنسبة 100 % !
فى نموذج باسم يوسف ، نجد أنه بدأ برنامجه على اليوتيوب بإمكانيات بسيطة جداً .. ولكنها كانت كافية جداً لظهور البرنامج بشكل إحترافي إلى حد ما .. إستخدم كاميرا واحدة ، وتعاون مع فريق عمل هواة لوضع السكريبت وتحرير الفيديوهات والصور .. وقام بوضع صورة لميدان التحرير لم يتجاوز ثمنها 100 دولار وراؤه كخلفية ، وكإشارة رمزية للمُنطلق الثوري لبرنامجه..
المهم أنه ظهر للمُشاهد فى النهاية بصورة جيدة ، وبأن هُناك نظام جيد لهذا البرنامج وإعداده .. آداء مقبول لدى المُشاهدين .. فريق عمل مُجتهد ..
أمور بسيطة كهذه تكفَّلت أن ينجح برنامجه بشكل كبير على شبكة اليوتيوب ، وجعلت المُنتجين يُراهنون أنه بإمكانه تقديم الأفضل إذا توافرت له الإمكانيات المالية وفريق العمل الإحترافي .. وهذا ما أثبتته الأيام فيما بعد..
المُهم أن يبدأ مشروعك بشكل واعد فى البداية – بقدر الإمكان – ، حتى لو لم يكن فى أفضل صورة ممكنة تخيلتها .. البدايات الجيِّدة تُوفر قدراً هائلاً من المجهود والوقت فيما بعد ، لأنها تمنح الجميع شعوراً بالثقة فيك وفي إمكانية تطوُّر مشروعك بسرعة وكفاءة ، وأنك ستحقق نتائج مُبهرة اذا حصلت على المزيد من الدعم والخبرة والإمكانيات..
أما بالنسبة للتطوير ، فإذا لاحظت المواسم الثلاثة حتى الآن تجد أنها بدأت بأداء مقبول نسبياً عبر اليوتيوب .. ثم آداء جيد فى الإلقاء وأدوات السخرية وطريقة عمل البرنامج ككل فى الموسم التلفزيوني الأول .. ثم الآداء الأكثر شُهرة وصيتاً فى الموسم الحالي ، والذي أدى إلى أن ينال الرجل مركزاً عالمياً كواحد من أفضل 100 شخصية مؤثرة حول العالم..
بداية جيدة واعدة إلى حد ما .. ثم مرحلة التعلم وتثبيت القدم فى مجال العمل والسوق .. ثم مرحلة الإنطلاق والإبداع وتحطيم المُنافسين ، والخروج من حيز المحلية إلى نطاق العالمية ..
هذه هي المراحل الثلاثة التى يجب أن يمر بها مشروعك أنت أيضاً !
*********************
مواكبة الأحداث ..
م يكن من المُتصوَّر أبداً ان ينجح برنامج مثل الذي يُقدمه باسم يوسف ، لو كانت مصر فى حالة استقرار سياسي واقتصادي كبير .. وقتئذ ، كان الأمر كله سيتحول إلى ما يُشبه المُزاح الخفيف ، الذي ربما يسترعي إنتباه بعض الشباب .. ولكنه – قطعاً – لم يكن ليُسبب كل هذه الضجة الكبيرة فى مصر والبلاد العربية..
الرجل اختار أن يلعب بشكل مُختلف عى الوتر الذي يَشغل بال الناس جميعاً هذه الفترة .. الصراعات السياسية والثورات والأزمات الإقتصادية وصراع الأيدولوجيات .. بشكل ساخر وبسيط يحمل رسالة مُوجهة فى إطار كوميدي بعيد كل البُعد عن الملل ..
بإختصار : إختار أن يلعب فى مجال مُشتعل يهتم به الناس جميعاً بكافة طبقاتهم وميولهم .. بطريقة تروق للناس جميعاً .. فحقق النجاح !
عندما تبدأ مشروعك الخاص ، أرجوك .. إبتعد تماماً عن التقليدية والأفكار التى تمَّ تنفيذها من قبل ملايين المرات بنفس الطريقة .. من الغباء أن تقوم بتجربة نفس الأمر عدة مرات ثم تتوقع نتيجة مُختلفة !
إبحث عن الخدمة أو المُنتج غير المُتوافر الذي تعتقد بشكل كامل أن الناس يبحثون عنها ويطلبونها ويرغبون فيها .. أو إبحث عن المُنتج أو الخدمة التى يُمكنك أن تقوم بتقديمها ( بشكل مُختلف ) ، يعطي لمشروعك مصداقية وتفرداً عن المُنافسين..
*************************
إستثمار عناصر القوة ..
الفكرة الجديدة تحتاج إلى وجود عناصر قوة لإبرازها وإظهارها بشكل أكثر تميزاً وبريقاً ..
فكونه طبيباً مُتخصصاً فى جراحة القلب ، يُعطيه مكانة إجتماعية ودرجة علمية تجعل الناس تتعامل مع ما يُقدمه بمزيج من الدهشة والإعجاب والتساؤل : كيف يُمكن لطبيب قلب أن يُقدم هذا الكم من السخرية ، خلافاً للوقار المعروف عن الأطباء ؟ .. هذا عُنصر قوة..
كونه يمتلك وجهاً إعلامياً مُتسقاً مع الكاميرا .. هذا عُنصر قوة يُغطى على نقطة ضعفه فى اللثغ بحرف الراء ..
التعامل مع القضايا المُجتمعية بشكل فوري ، وبشكل يتوافق مع سقف توقعات الجُمهور ( وربما يزيد عليه ) ، سواءاً فى المُحتوى أو الآداء أو طريقة العمل .. هذا عُنصر قوة..
حتى تعامله مع الإنتقادات والشتائم التى يتم توجيهها إليه بشكل مُتصل من قبل مُعارضيه السياسيين أو المُشاهدين المُتحفظين على آداءه والمحتوى الذي يُبث فى برامجه .. فيرد على العنف بالسخرية .. ويرد على الانتقاد بالسخرية .. هذا أيضاً عُنصر قوة..
المعنى المُراد أن التركيز على عناصر قوتك فى مسار عمل مشروعك ، سيجعلك تتقدم بشكل أسرع لتحقيق اهدافك ، وسيجعلك أيضاً تتغلب تماماً على نقاط الضعف التى تمتلكها ..
وكلما زادت نقاط قوَّتك فى المجال الذي تعمل به ( الدراسة – الخبرة في مجال المشروع – مهارات التواصل – القدرة على التسويق – إلخ .. ) كلما كان تجاوزك للمشاكل والعقبات التى تظهر أمامك أكثر مرونة وسُرعة .. وبالتالي يتحقق النجاح بشكل أكثر كفاءة وفاعلية !
*************************
فريق العمل الخبير ..
نجاح المشروع – أي مشروع – لا يتحقق إلا بفريق عمل مميز .. مهما كانت قيادتك لخطوات المشروع على قدر عال من المهنية والخبرة ، ومهما كانت أفكارك على قدر عال من الإحترافية والقوة .. سيبقى فريق العمل هو الجهة التنفيذية لهذه الأفكار ، والوقود الحقيقي للإنتاج والإبداع والتطوير ..
معروف للجميع أن برنامج باسم يُوسف يعمل فى كواليسه العشرات من الشباب فى مواقع مُختلفة ، تتضافر مجهوداتهم سوياً لإنتاج العرض الذي يحقق هذه النسب العالية من المُشاهدات فى العالم العربي..
هذا النجاح ( وإن بدى للجميع أنه نجاح فردي يتحقق فى شخص باسم يوسف ) ، إلا أنه فى الواقع نتيجة عمل جماعي مميز ، لولاه لم يعد لمُقدم البرنامج أية قيمة !
هذه هي أهم قاعدة لروّاد الأعمال المُبتدئين :
ضع الكفاءة فى العُنصر البشري على قمة اولوياتك فى مراحل تطور مشروعك ، ولا تبخل أبداً فى بذل الموارد المالية عليهم .. لأنهم ببساطة سيدفعون بمشروعك إلى النور بأفكار جديدة مميزة لم تكن أنت تفكر فيها أو تخطر على بالك نهائياً ..
************************
كبسولات
# لديك فكرة مشروع ؟ .. قم بتحديد الأهداف من خلال وضع ( نموذج ) عالمي واضح تماماً امامك..
## إبتعد تماماً عن المسارات التقليدية للوصول إلى هذا النموذج ، وفكر بجرأة وثقة فى السير عبر الطرق الغير تقليدية .. الطرق المجنونة .. حتى لو اضطررت ان تشق طريقاً جديداً لنفسك لم يمر فيه أحداً قبلك !
### حاول – بقدر الإمكان – أن تجعل بدايتك جيدة وتبدو واعدة ومميزة .. وبعدها – وبشكل مُستمر – إخلق منهجية واضحة للتطوير والتغيير للأفضل بلا توقف ، وبلا كلل أو ملل !
#### فكرة مشروعك يجب أن تكون مُتوافقة مع الظروف ، وتلبي مايريده السوق فى المقام الأول .. الأولوية للأفكار الجديدة وغير المسبوقة أولاً.. ثم التنفيذ المُختلف ثانياً..
##### استثمر عناصر قوتك فى تنفيذ مشروعك .. طوّر مهاراتك الإجتماعية والإقتصادية والتجارية والإدارية بشكل مُستمر ، وقم بتنفيذها لمصلحة المشروع ..
###### فريق عملك هو المفتاح الأساسي لنجاح مشروعك..
***********************
مرة أخرى :
أتمنى أن يشمل تعليقك تحليلاً شخصياً من طرفك لعناصر نجاح حالة باسم يوسف ، واستخلاص نتائج مُفيدة قابلة للتطبيق على أرض الواقع لرُوَّاد الأعمال المُبتدئين فى مجالاتهم ( أو لكل الراغبين فى النجاح الشخصي )..حتى يستفيد الجميع ..