عمر عاصي
مايكل بورتر واحد من أهم علماء الادارة في العصر الحديث وهو العميد الأعلى لجامعة وليام لورانس الملحقة بجامعة هارفارد لادارة الأعمال ، يعتبر الأب الروحي وأحد أهم الرواد في مناهج الاستراتيجيات الحديثة والاقتصاد التنافسي، له العديد من المؤلفات و مئات المقالات في الاستراتيجيات والاقتصاد التنافسي.
وهو صاحب منهج القوى الخمس للاقتصادات التنافسية "porter’s 5 forces"
جذبت أبحاث ”Porter“ في هذا المجال العديد من الباحثين والكتاب على المستوى العالمي، وقد أوجد ”Porter“ ثلاثة إستراتيجيات تنافسية أساسية هي إستراتيجية قيادة التكلفة، إستراتيجية التميز، وإستراتيجية التركيز، وذكر أن الاستخدام الصحيح لإحدى هذه الاستراتيجيات يمكن المؤسسة من الدفاع عن حصتها السوقية أمام المنافسين.
وسوف نحاول في هذا المقال التعرف ببساطة على هذه الاستراتيجيات التنافسية الثلاث، وكذلك سنحاول الاجابة على السؤال موضوع المقال وهو هل بإمكان المنظمة الاستعانة باكثر من استراتيجية تسويقية من هذه الثلاث على خلاف ما علمنا صاحبها من أنه لا يمكن الجمع بين اكثر من واحدة منها لأجل البقاء في المنافسة وريادتها.
1. استراتيجية قيادة التكلفة
بحسب مايكل بورتر فإن استراتيجية قيادة التكلفة هي إحدى الاستراتيجيات التنافسية الأساسية التي يمكن أن تتبعها الشركات التي تستهدف عملاء يهتمون بسعر المنتج بشكل اساسي، وتقوم الاستراتيجية على تقديم منتجات ذات اسعار منخفضة مقارنة بباقي لمنافسين مع الاحتفاظ بمستوى متوسط نسبيا من التميز. وقد تريد بعض المؤسسات من اتباع هذه الاستراتيجية توفير عائدات أكبر بغرض استخدام جزء كبير منها في البحوث والتطوير لأجل الاحتفاظ بوضعيتها التنافسية. بينما تهدف معظم الشركات وخصوصاً في منطقتنا العربية التي يغيب عنها بشكل كبير الاهتمام بالبحوث والتطوير من وراء هذه الاستراتيجية إلى المنافسة السعرية لتحقيق أكبر حصة سوقية ممكنة.
2. استراتيجية التميز
على الجانب الآخر تأتي استراتيجية التميز والتي تحاول المؤسسات من خلالها أن تشبع حاجات ورغبات العملاء بشكل يصعب تقليده بواسطة المنافسين وخاصة أولئك الذين يهمهم عنصر الجودة ومميزات المنتج وخصائصه أكثر من السعر، في ذات الوقت الذي يقدر فيه المستهلك هذا التميز ويكون مستعداً لدفع قيمة أكبر في مقابله. وتواجه هذه الاستراتيجية صعوبة تتمثل في امكانية تقليد المنافسين لهذه الميزات سواء بشراء التكنولوجيا التي تساعدهم على ذلك أو باجتذاب و"صيد" الموارد البشرية صاحبة هذا التميز. وبحسب مايكل بورتر فان تكلفة هذه الاستراتيجية ستكون مرتفعة وبالتالي يجب أن يتم تعويض ذلك من خلال سعر بيع يزيد عن تكلفة التميز للتمكن من تحقيق هامش الربح المخطط.
3. استراتيجية التركيز
والاستراتيجية الثالثة من استراتيجيات بورتر هي استراتيجية التركيز، حيث تركز المؤسسة على قطاع سوقي معين ربما يشمل مجموعة من المستهلكين ذوي الاحتياجات والأذواق المتجانسة، أو التركيز على منطقة جغرافية محددة، مع ترك باقي السوق للمنافسين. وتمكن هذه الاستراتيجية المؤسسة من خدمة ذلك القطاع بشكل أكثر كفاءة وفاعلية عن طريق دراسة متعمقة وعلاقة أكثر قربا مع المستهلكين . إلا أن هذه الاستراتيجية معرضة دائما لمخاطر متعددة أهمها دخول منافس قوي على ذات الشريحة السوقية مما يعرض المؤسسة لمخاطر فقدان نسبة كبيرة من الحصة السوقية وربما لفقدها كاملة.
يرى بورتر أن المؤسسات التي تحاول تطبيق أكثر من استراتيجية من هذه الثلاث في آن واحد سوف تعاني من انخفاض في الحصة السوقية وانخفاض في الأرباح بالتبعية حيث سيتوجه المستهلكون الباحثون عن السعر الاقل الى المؤسسات التي تتبع استراتيجية قيادة التكلفة بشكل صريح، والأخرون الباحثون عن منتج متميز الى الشركات ذات استراتيجية التميز تاركين تلك المؤسسة في منطقة الاختناق أو كمن "رقص على السلم"
بينما يرى المنتقدون لهذا الطرح انه يمكن الجمع بين أكثر من واحدة من هذه الاستراتيجيات تحت ظروف معينة حيث أن أسباب نجاح استراتيجية القيادة بالتكلفة تتمثل في اسعار وآليات القطاع أو الصناعة التي تعمل به المؤسسة بينما يعتمد نجاح استراتيجية التميز على اذواق ورغبات المستهلكين ، وهما عاملين مستقلين بعضهما عن بعض وبالتالي حسب الطرح الجديد فإنه يمكن المزج بين الاستراتيجيتين تحت الشروط التالية:
– إذا كان للمؤسسة الحق حصريا في استخدام تكنولوجيا معينة من الممكن أن تكون هي من أبدعتها، ولا تتوافر هذه التكنولوجيا لمنافسيها
– اذا كانت المؤسسات المنافسة لا تتبع أياً من الاستراتيجيات التسويقية
– اذا كانت المؤسسة في وضعية قيادة السوق
وبما أن استراتيجية التميز تعتمد إما على التميز في عرض وتسويق المنتج، أو التميز الابداعي من خلال التكنولوجيا المصنعة للمنتج، فلو نظرنا الى التميز الابداعي نجده يعتمد بشكل أساسي على تكنولوجيا تصنع خصائص مميزة للمنتج ، ومن الممكن أن تكون ذات التكنولوجيا هي العامل الاساسي في خفض تكلفة الانتاج. فإذا تمكنت المؤسسة من امتلك تلك التكنولوجيا فإنها تتمكن من استخدام استراتيجيتي القيادة بالتكلفة، والتميز في آن واحد على خلاف ما طرح بورتر.
وخلاصة القول أن استراتيجيات بورتر التسويقية ساعدت العديد من المنظمات على تحقيق وضعيات تنافسية مميزة وأرباح هائلة، وبارغم من أنه افترض عدم امكانية استخدام أكثر من استراتيجية تنافسية في آن واحد إلا أن المطورين أوضحوا امكانية ذلك تحت ظروف وبإمكانيات معينة.
وبيبقى السؤال الهام، حيث لو استثنينا بعض الشركات العالمية التي تعمل في المنطقة العربية؛ كم مؤسسة عربية تستخدم مفردات الاستراتيجيات التسويقية فضلاً عن تبنيها واستخدامها لاحداها أو بعضها. كم مؤسسة عربية تستخدم الادارة الاستراتيجية كمدخل أساسي في اتخاذ القرارات المتعلقة بحاضرها ومستقبلها ؟؟
لا شك أننا نحتاج الى جهد كبير لنضع الادارة الاستراتيجية واستراتيجيات التسويق ضمن دائرة اهتمام اصحاب القرار في منظماتنا بدلاً من الاستغراق في الرد على شكاوى العملاء وفض النزاعات بين العاملين.